يدرس تداخل الأخلاقيّ والدينيّ في تراث الإسلام، وكيف أنهما تنازعا بينهما النفسَ المسلمة. وعُمدةُ تمييزهما هنا هو الإنسيّ بمبدأيْه: الكونية، بمعنى أن قدرًا من القيم والمُثل الأخلاقية عابر للخصوصيات والحدود الملّية؛ والأتونوميا، ومفادها قدرة المرء على التشريع الذاتي والاهتداء بالعقل إلى تكاليف أخلاقية يحقق بها كمالات طبيعته، غير منقاد بالضرورة لآمر خارجي. وبين الانقياد للأمر مع التزام الخصوصية الملّية أو الاهتداء الذاتي بالعقل مع اعتناق الكونية الإنسانية، انبثق في تراث الإسلام وعي أخلاقي شقي حائر بينهما. وهذه الدراسة إنشاءٌ لسيرة هذا الوعي في أقسام ثلاثة تناظر تمهيدًا فعقدةً ثم حلًّا. يعرض التمهيد تكوينية هذا الوعي الشقي منذ التلقي الأخلاقي للدعوة المحمدية وصولًا إلى انتصار الشرعانية التي تغطي كل نطاقات الحياة بحجاب التشريع الفقهي مُدغِمةً الأخلاقي بالديني، مرورًا بصوتيْن شغبا عليها: القدريون الأوائل والوثني الفاضل؛ ثم تُبلغ العقدة بانبساط هذا الوعي الشقي في نفوس وعقول ثلاثة نماذج: ابن المقفع، وابن أبي الدنيا المحدّث، والغزالي؛ ثم يأتي أخيرًا الحل الأجرأ، الذي أتاحه الإمكان التاريخي لتلك العصور، مع المعتزلة ومحمد بن زكريا الرازي.
Share message here, إقرأ المزيد
الوعي الأخلاقي الشقي : تنازع الإنسي والديني في تراث الإسلام