لم يخطر ببالي في فترات سابقة أن أعمد إلى تدوين تجربتي الذاتية وحكايتي الشخصية بأي شكل من أشكال التدوين أو السرد، ولم يكن كذلك مشروعا مؤجلا أعدّ له عدته عندما يحين أوانه، وأبسط مظاهر الإعداد البدء في مرحلة من المراحل بتدوين أحداث حصلت معي والتعليق عليها، أو تسجيل خواطر ذاتية تجاه قضايا عدة، شخصية كانت أم عامة... كافة تلك المكونات لم تكن حاضرة في بالي حقيقة الأمر.وطيلة عقدين ماضيين من الآن، وقد تجاوزت التسعين من عمري، وعلى مدار غالبية جلساتي الخاصة، ولقاءاتي بأصدقاء وذوي قربى، كنا نستحضر أحداث الماضي ونسترجع تفاصيله، بحلوه ومره.
أثناء تلك الجلسات أو في أعقابها، كنت أواجَه عادة بطلب يوشك أن يكون دائم التكرار بمضمونه وحتى في اللغة المستخدمة: لماذا لا تدوّن تجربتك؟ ولماذا لا تسارع إلى تسجيل تلك الوقائع والأحداث والتبدّلات التي عايشتها بمختلف المجالات وعلى كافة الصعد: سياسية، اجتماعية، ثقافية؟ ومع كل تساؤل كنت أسارع إلى تقديم مبرراتي وأعذاري وأمتنع عن الخوض بالتفاصيل. إلا أن هذا التمنّع لم يستطع الصمود والثبات لفترة أكثر من عشرين عاما، فشرعت باستحضار تلك التجربة.